إبراهيم عيسي |
إبراهيم عيسى يكتب في الدستور: استسهال التكفير وإسهال التخوين!
كده مش حنعرف نكمّل
انتابت الحياة السياسية فى مصر هذه الأيام حالة هستيرية من اتهامات
التكفير والتخوين، وصرنا نسمع أطرافا كثيرة (بعضها عاقل وبعضها يبذل مجهودا
كى يبدو كذلك) وهى ترمى تيارا ومجموعات بالكفر البواح وتَصِم فريقا أو
جماعات بالخيانة والعمالة!
السؤال: كيف يمكن أن نبنى بلدنا وقواها الحية وتياراتها
الفاعلة يتهم بعضها بعضا بهذه التهم الشنيعة بمنتهى البساطة والاستخفاف
ودون أن تشعر بالجرم الذى ترتكبه، بل ولعلها تفخر بما تزعم وتطعن!
شيخ وداعية مفروض أنه تعلم الدين وعلّمه يخطب فى آلاف من
مريديه من أعضاء حزب سياسى لديه مرجعية إسلامية (يبدو أنه لا يرجع إليها)
واصفا فريقا سياسيا وفكريا بأنه يحارب الله!
هكذا دون أن يردعه حديث نبوى حفظه أو آية قرآنية يرددها.
الشيخ شق قلوب هؤلاء الذين يرميهم بمحاربة الله وعرف أنهم
كفار يحاربون الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقرر أن يطلق حكمه فى
الكافة!
وكذلك شخصيات رسمية منهم وزراء لم يجدوا أى مشكلة فى أن
يتهموا جماعات وجمعيات بأنها حصلت على تمويل أفرنجى وعربى لإثارة الفتنة
وبث الفوضى، يعنى عملاء دون مواربة ومأجورون بلا شك!
وتقعد جماهير مصر أمام شاشات التليفزيونات والإنترنت تتابع
هذا القصف المتبادل بين ناس توقعنا منهم أن يمدوا أياديهم ليضعوا حجرا فوق
حجر فى بناء البلد المتهدم بفعل ثلاثين عاما من الاستبداد والفساد، فإذا
بهم يكفّرون ويخوّنون إخوتهم فى الوطن!
لكن كلا وألف كلا، بناء إيه وتضامن إيه وتطور إيه؟ بَلا
كلام فارغ، لتغطس البلد فى استسهال التكفير وإسهال التخوين وتضرب روائح
الاتهامات النتنة فى أنوف الجميع دون أن يلتفتوا إلى كارثة ستدفع مصر إلى
الانقسام والاقتتال!
الإخوة الذين يرمون بالكفر ويتهمون بالعمالة والخيانة إنما يعلنون عن فشلهم العميق، فالذى يردد هذه الاتهامات يعانى من:
1- العجز، فالذى لا يستطيع أن يواجه خصومه بالفكرة والرؤية
والكلمة يلجأ إلى وصمهم بالكفر أو الخيانة لأنه عاجز عن مناقشتهم وتفنيد
آرائهم وأفكارهم، وبدلا من أن يتصدى وجها لوجه وقيمة لقيمة فإنه يجرى ناحية
التكفير والتخوين ليلغى الحوار ويسحب شرعية الخصم ويشوّه صورته ويجعل من
نفسه حكما محتكرا للدين وللوطنية وقاضيا فى موقع مساءلة المتهم، ومين انت
يا كافر يا خاين عشان تكلمه وترفع راسك قدامه وتقول له الصح إيه والمفروض
إيه؟!
2- العدوانية، فالداعية الذى يَصِم فريقا بالكفر ومحاربة
الله يتخلى عن المجادلة بالحسنى وعن المناظرة والحوار ويلجأ إلى العنف
اللفظى والبدنى حين تتوفر سبل الاعتداء على الخصوم، فالمسألة مسألة وقت حتى
يتمكن المؤمنون فيحاسبوا الكفرة، وحتى ذلك الحين لا تحاوروهم ولا تناقشوهم
ولا تسمعوا كلامهم فهم محاربون لله وهم أولى بأن نحاربهم فى سبيل الله
ولتُعِدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل!
كذلك اتهام العمالة والتخوين ينقل الحوار والنقاش من مربع
السياسة إلى مربع الوطنية، فما الذى يمكن أن تفعله مع خائن عميل إلا أن
تسجنه وتشنقه لو لزم الأمر؟
3- الإقصاء والنفى، فعندما نقول عن هذا إنه كافر وعن ذلك
إنه خائن، خلاص لم يعد له مكان بيننا فى الساحة وليخرج من دائرة الإيمان
والوطنية، حنعمل بيه إيه ده راخر؟!
نحن نعود بجد للمربع صفر بهذه الطريقة التى يستمرئها شيوخ
وجنرالات ووزراء وساسة وغوغائيون فى مصر الآن، إذا استمر دعاة وشيوخ فى لعب
دور وكلاء الله على الأرض وحاجزى أماكن الناس فى الجنة والنار وتصور
جنرالات وسياسيون أنهم محتكرو الوطنية وحاملو أختامها فسنذهب نحن وهم إلى
أقرب داهية!
كيف يمكن لحزب يعلن راعيه وداعيته تكفير الناس أن يجلس فى
البرلمان أو يتزامل فى لجنة وضع الدستور مع من يراهم كفرة؟ وكيف يتفاوض
ويتحاور مسؤولون حول مشروع قانون أو دستور مع من يرونهم خونة؟
الحل الوحيد كى نستطيع النجاة من استسهال التكفير وإسهال
التخوين هو أن يعلن هؤلاء المكفرون والمخونون تراجعهم عن هذه التهم وأن
يقولوا بوضوح وبصريح العبارة إنه ليس لهم ولا للى يتشدد لهم حق تكفير الناس
أو تخوينهم، الحكم بالكفر ومحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم
مهمة إلهية ميعادها الوحيد يوم القيامة، كما أن اكتشاف الخونة هو مسؤولية
السيد مراد موافى مدير المخابرات العامة فقط!
رابط المقال: إبراهيم عيسى يكتب: استسهال التكفير وإسهال التخوين!