نص خطبة السادات بعد حرب اكتوبر
أيها الإخوة والأخوات
كان بودي ان أجيء إليكم قبل الآن ،ألتقي بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا لكن مشاغلي كانت كما تعلمون وكما تدرون وأثق أنكم تقدرون ومهما يكن فلقد أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معاً فيما أخذت علي مسئوليتي تعبيراً عن إرادة أمة وتعبيراً عن مصير شعب مناسباً ان أجيء اليكم اليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجري علي أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية وهي قضية الحرب والسلام ذلك لأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية او اقليمية لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركته ولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإنني أريد أن أدخل مباشرة فيها أريد أن اتحدث معكم وسوف أركز علي نقطتين : الحرب والسلام
أولاً : الحرب
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهي بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل واعظم وأمجد أيامتاريخنا وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهي ولكن لكي نتذكر وندرسو نعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل ، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة والآمها وحلاوة النصر وآماله ، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه ، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتي نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني علي أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا وإذا جاز لي أن أتوقف قليلاً وأنا أعلم أنني أتوق شوقاً إلي سماع الكثير فإنني أقول ما يلي
أولاً : فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وماعاهدتكم عليه حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبطمن هذا اليوم ، عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هيالتكليف الأول الذي حملته ولاء لشعبنا وللأمة ، عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لن أدخرجهداً ولن أتردد دون تضحية مهما كلفني في سبيل أن تصل الأمة إلي وضع تكون فيه قادرةعلي دفع إرادتها إلي مستوي أمانيها ذلك أن إعتقادنا دائماً كان ولايزال أن التمني بلا ارادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن تقع في سرابه أو فيضبابه
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن نثبت للعالم أن نكسة ١٩٦٧ كانت إستثناء في تاريخنا وليست قاعدة
وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب (٧٠٠٠) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنالايعلو عنها وللوصول اليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمي ٠٠ عاهدت الله وعاهدتكمعلي أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلي جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة وإنما سوف نسلمأعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء ولكننا ظللنا نحتفظبرؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولاأتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ وكانت الحسابات مضنية والمسئولية فادحة لكنني أدركتكما قلت لكم وللأمة مراراً وتكراراً إن ذلك قدري وإني حملته علي كتفي ، عاهدت اللهوعاهدتكم وحاولت مخلصاً أن أفي بالوعد ملتمساً عون الله وطالباً ثقتكم وثقة الأمةوإني لأحمد الله
ثانياً : لقد كان كل شيء منوطاً بارادة هذه الأمة ، حجم هذه الإرادةوعمق هذه الإرادة وما كنا نستطيع شيئاً وما كان أحد ليستطيع شيئاً لو لم يكن هذاالشعب ، ولو لم تكن هذه الأمة ، لقد كان الليل طويلاً وثقيلاً ولكن الأمة لم تفقدإيمانها أبداً بطلوع الفجر وإني لأقول بغير إدعاء أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمةان نكستها لم تكن سقوطاً وإنما كانت كبوة عارضة وان حركتها لم تكن فوراناً وانماكانت ارتفاعاً شاهقاً لقد أعطي شعبنا جهداً غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددةوأظهر شعبنا وعياً غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعي فإنالشعب احتفظ بإيمان غير محدود وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة ولقدكنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسئوليتي وقبلت راضياً بما شاء الله ان يضعه عليكاهلي كنت أعرف ان ايمان الشعب هو القاعدة وإذا كانت القاعدة ، سليمة فان كل ما ضاعيمكن تعويضه وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الإنطلاق إليه مرة اخري وبرغم ظواهر عديدةبعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا فقد كان سؤالي لنفسيولغيري في كل يوم يمر هل القاعدة سليمة ؟
وكنت واثقاً انه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها انتمس صلابة هذه القاعدة
لست أنكر إننا وُجهنا بمصاعب جمة ، مصاعب حقيقيةمصاعب في الخدمات ، مصاعب في التموين مصاعب في الإنتاج ، مصاعب في العمل السياسيأيضاً . وكنت أعرف الحقيقة ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها كنت أعرف إننانحاول نجعل الحياة مقبولة للناس وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظروكنت واثقاً إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي ، وحينتظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون وأحمد الله
ثالثاً : لقد كانت هناك إشارة واضحة إلي وجود تمزق في ضمير الأمةالعربية كلها وكنت أري ذلك طبيعياً لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارةالنكسة ، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه إمتحانهاالرهيب وهي علي هذه الحالة من التمزق في ضميرها
كنت أقول أن هذا التمزق فضلاً عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضاً بينالواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد انه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولاراحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات علي إستعدادللدخول في مناقشات عقيمة ، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي ؟ وكان رأيي ان الأمملا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكونالتحدي كبيراً بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة ، لست أنكر وجودخلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ ولكنني في نفس الوقت كنت أعرف أنالأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبري فانها قادرة علي ان تحدد لنفسهاأولوياتها بوضوح لا يقبل الشك ، كنت مؤمناً بسلامة وصلابة دعوة القومية العربيةوكنت مدركاً للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة
ولكنني كنت واثقاً أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها علي كل القوي وعليكل الأطراف وعلي كل التيارات لأننا جميعاً سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بينالاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله
رابعاً : ولقد كنت أعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجماًبالغيب ولا تكهناً لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفتبالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها
إن سجل هذه القوات كان باهراً ولكن أعداءنا الإستعمار القديموالجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزاً مخيفاً لأنها أرادت أنتشكك الأمة في درعها وفي سيفها ، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة ،كانت من ضحايا نكسة
سنة ١٩٦٧ ولم تكن أبداً من أسبابها
كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تحارب بنفس البسالة والصلابةالتي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعدضربة الطيران التي حذر منها عبد الناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قراراًبالإنسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر
إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧ ان هذه القوات لم تعطالفرصة لتحارب دفاعاً عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه ، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتهاالظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل
إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة علي أعلي مقياس عسكري ، ولقدشاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أنأتحمل مسئولية إستكمال البناء ومسئولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامتبمعجزة علي أعلي مقياس عسكري استوعبت العصر كله تدريباً وسلاحاً بل وعلماًواقتداراً حين أصدرت لها الأمر ان ترد علي استفزاز العدو وان تكبح جماح غروره فإنهاأثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققتمفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة
إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم ٦
أكتوبر ١٩٧٣ ولست اتجاوز اذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمامعملية يوم ٦ أكتوبر ٧٣ حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من إقتحام مانع قناةالسويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدتالعدو توازنه
لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة ٦ أكتوبر خلالالساعات الست الأولي من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلي هذه اللحظة
وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً وبعض الاعتزاز إيمان فان الواجب يقتضيناأن نسجل من هنا وبإسم هذا الشعب وبإسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحةثقتنا في قياداتها التي خططت وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم ،ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها علي إستيعاب هذا السلاح
أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قدأصبح درع وسيف
أريد من هنا أن أشد إنتباه حضراتكم معي إلي الجبهة الشمالية حيثيحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصةوالحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد
وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتمالأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين ،، انكمحاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال
ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخرمن هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربيةكلها ، لقد كنا من طلائع المعركة ، تحملنا ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها مندمائنا ومن مواردنا ، ولسوف نواصل القتال ، ولسوف نتحدي الخطر ، ولسوف نواصل معإخوة لنا ، تنادوا الي الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرقوالدم حتي نصل إلي هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرةمن مراحله المتصلة المستمرة
أيها الإخوة والأخوات
كل ذلك عن الحرب والآن ماذاعن السلام ؟
عندما نتحدث عن السلام فلابد لنا أن نتذكر ولا ننسي كما لابدلغيرنا ألا يتناسي حقيقية الأسباب التي من أجلها كانت حربنا وقد تأذنون لي أن أضعبعض هذه الأسباب محددة قاطعة أمام حضراتكم
أولاً : اننا حاربنا من أجل السلام ٠٠ حاربنا من أجل السلام الوحيدالذي يستحق وصف السلام ، وهو السلام القائم علي العدل ، إن عدونا يتحدث احياناً عنالسلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل ، إن دافيد بن جوريون هو الذيصاغ لاسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يفرض والحديث عن فرض السلام معناهالتهديد بشن الحرب او شنها فعلاً
والخطأ الكبير الذي وقع في عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيعضمان الأمن ولقد أثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية
السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم ، السلامبالعدل وحده ، والسلام ليس بالارهاب مهما أمعن في الطغيان ومهما زين له غرور القوةأو حماقة القوة
ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادي فيها عدونا ليس فقط خلالالسنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين ، أي منذ قامت الدولةالصهيونية بإغتصاب فلسطين ولقد نسأل قادة إسرائيل اليوم : أين ذهبت نظرية الأمنالإسرائيلي التي حاولوا اقامتها بالعنف تارة وبالجبروت تارة اخري ، طوال خمس وعشرينسنة ؟ لقد انكسرت وتحطمت ، قوتنا العسكرية تتحدي اليوم قوتهم العسكرية وها هم فيحرب طويلة ممتدة وهم أمام إستنزاف نستطيع نحن أن نتحمله بأكثر وأوفر مما يستطيعونوها هم عمقهم معرض إذا تصوروا أن في إستطاعتهم تخويفنا بتهديد العمق العربي
وربما أضيف كي يسمعوا في إسرائيل أننا لسنا دعاة إبادة كما يزعمونأن صواريخنا المصرية العربية عابرة سيناء من طراز ظافر موجودة الآن علي قواعدها ،مستعدة للإنطلاق بإشارة واحدة إلي الأعماق في اسرائيل ولقد كان في وسعنا منذالدقيقة الأولي للمعركة أن نعطي الإشارة ونصدر الأمر خصوصاً وأن الخيلاء والكبرياءالفارغة أوهمتهم بأكثر مما يقدرون علي تحمل تبعاته لكننا ندرك مسئولية استعمالأنواع معينة من السلاح ونرد أنفسنا بأنفسنا عنها ، وإن كان عليهم أن يتذكروا ماقلته يوما ومازلت أقوله العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق
ثانياً : اننا لم نحارب لكي نعتدي علي أرض غيرنا وإنما حاربناونحارب وسوف نواصل الحرب لهدفين اثنين
الأول : استعادة أراضينا المحتلة بعد سنة ١٩٦٧
الثاني : إيجادالسبل لإستعادة وإحترام الحقوق المشروعة لشعب فلسطين ، هذه هي أهدافنا من قبولمخاطر القتال ولقد قبلناها رداً علي استفزازات لا تحتمل ولا تطاق ولم نكن البادئينإنما كنا فيها ندافع عن أنفسنا وعن حرياتنا وعن حقنا في الحرية والحياة
إن حربنا لم تكن من أجل العدوان ولكن ضد العدوان ولم نكن في حربناخارجين علي القيم ولا القوانين التي إرتضاها مجتمع الدول لنفسه وسجلها في ميثاقالامم المتحدة الذي كتبته الشعوب الحرة بدمائها بعد انتصارها علي الفاشية والنازيةبل لعلنا نقول ان حربنا هي إستمرار للحرب الإنسانية ضد الفاشية والنازية ، ذلك لأنالصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليس إلا تكراراً هزيلاً للفاشيةوالنازية يثير الإزدراء ولا يثير الخوف ويبعث علي الإحتقار أكثر مما يبعث عليالكراهية
إننا في حربنا كنا نتصرف وفق نص روح وميثاق الأمم المتحدة وليسمجافاة للروح ولا للنص وإلي جانب الميثاق نفسه فقد كنا نتصرف تقديراً واحتراماًلقرارات المنظمة الدولية سواء علي مستوي الجمعية العامة للأمم المتحدة أو علي مستويمجلس الأمن
أيها الإخوة والأخوات
لقد شهد العالم كله لنا بالحق وأشادبشجاعتنا دفاعاً عن هذا الحق
أدرك العالم إننا لسنا البادئين بالعدوان ولكننا المبادرون بواجبالدفاع عن النفس ، لسنا ضد قيم وقوانين مجتمع الدول ولكننا مع قيم وقوانين مجتمعالدول لسنا مغامري حرب وانما نحن طلاب سلام
أدرك العالم ذلك كله وكان يتعاطف من قبل ذلك مع قضيتنا واليوم زادعلي تعاطفه معنا إحترامه لتصميمنا علي الدفاع عن هذه القضية ولقد كنا نطمئن بعطفالعالم ونحن الآن نعتز بإحترامه وأقول لكم بصدق وأمانة إنني افضل إحترام العالم ولوبغير عطف علي عطف العالم اذا كان بغير إحترام وأحمد الله
أيها الإخوة والأخوات
إن العالم يدخل في عصر من الوفاق بين القوتين الأعظم ونحن لا نعارضسياسة الوفاق ، كان لنا تحفظ واحد عليها ومازال تحفظناً قائماً ، إذا كنا نريد أنيدخل العالم بعد إستحالة الحرب العالمية إلي عصر من السلام فإن السلام ليس معنيمجرداً او مطلقاً السلام له معني واحد هو أن تشعر كل شعوب الأرض إنه سلام لها وليسسلاماً مفروضاً عليها
واني لأقول امام حضراتكم وعلي مسمع من العالم : نحننريد ان تنجح وان تتدعم سياسة الوفاق ونحن علي إستعداد للمساهمة في إنجاحهاوتدعيمها
إن أي نسيان لهذه الحقيقة البديهية ليس تجاهلاً فحسب وإنما هو إهانةلا نرتضيها لأنفسنا ولا للعالم الذي يعرف أهمية وقيمة المنطقة التي نعيش فيها وعليهأن يعرف الآن أن هذه المنطقة قادرة علي أن تمنح وأن تمنع
أيها الإخوة والأخوات
إن الولايات المتحدة بعد المناورة التيرفضنا مجرد مناقشتها خصوصاً بعد ان فتحنا طريق الحق بقوة السلاح إندفعت إلي سياسةلا نسطيع أن نسكت عليها ٠٠ لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها أمتنا العربية ٠٠ذلك إنها أقامت جسراً سريعاً تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لإسرائيل
لم يكف الولايات المتحدة أن سلاحها هو الذي مكن إسرائيل من تعطيل كلمحاولات الحل السلمي لأزمة الشرق الاوسط فاذا هي الآن تتورط فيما هو افدح ، فيما هواخطر في عواقبه بينما نحن نقاتل العدوان وبينما نحاول إزاحة كابوسه عن أراضيناالمحتلة إذ هي تسارع إلي العدوان تعوضه عما خسره وتزوده بما لم يكن لديه
إن الولايات المتحدة تقيم جسراً بحرياً وجوياً تتدفق منه عليإسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة وصواريخ جديدة واليكترونيات جديدةونحن نقول لهم إن هذا لن يخيفنا ولكن عليكم وعلينا قبل أن تصل الأمور إلي نقطةاللاعودة أن نفهم إلي أين وإلي متي وأين ونحن خريطة الشرق الاوسط وليست إسرائيل ،إلي أين ومصالحكم كلها عندنا وليست في إسرائيل ؟ الي اين والي متي ؟
أيها الإخوة والأخوات
لقد فكرت في أن أبعث إلي الرئيس ريتشاردنيكسون بخطاب أحدد فيه موقفنا بوضوح ولكنني ترددت خشية إساءة التفسير ولذلك قررت اناستعيض عن ذلك بتوحيد رسالة مفتوحة إليه من هنا ، رسالة لا يمليها القول ولكنتمليها الثقة ، رسالة لا تصدر عن ضعف ولكن تصدر عن رغبة حقيقية في صون السلام ودعمالوفاق ، أريد أن اقول إنه بوضوح إن مطلبنا في الحرب معروف لا حاجة بنا لإعادة شرحه، وإذا كنتم تريدون معارضة مطلبنا في السلام فإليكم مشروعنا للسلام
اولاً : إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أرضنا التي أمسك بهاالإحتلال الإسرائيلي سنة ٦٧ ولإيجاد السبيل لإستعادة وإحترام الحقوق المشروعة لشعبفلسطين ، ونحن في هذا نقبل إلتزامنا بقرارات الأمم المتحدة في الجمعية العامة ومجلسالأمن
ثانياً : إننا علي استعداد لقبول وقف إطلاق النار علي أساس إنسحابالقوات الاسرائيلية عن كل الأراضي المحتلة فوراً وتحت اشراف دولي إلي خطوط ما قبل ٥يونيو ١٩٦٧
ثالثاً : إننا علي إستعداد فور إتمام الإنسحاب من كل هذه الأراضي أننحضر مؤتمر سلام دولي في الأمم المتحدة سوف أحاول جهدي أن اقنع به رفاقي من القادةالعرب المسئولين مباشرة عن إدارة الصراع مع العدو كما إنني سوف أحاول جهدي أن أقنعبه ممثلي الشعب الفلسطيني وذلك لكي يشارك معنا ومع مجتمع الدول في وضع قواعد وضوابطالسلام في المنطقة يقوم علي إحترام الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة . رابعاً : إننا علي إستعداد في هذه الساعة من هذه الدقيقة أن نبدأ في تطهير قناة السويسوفتحها أمام الملاحة الدولية لكي تعود أداء دورها في رخاء العالم وازدهاره ولقدأصدرت الأمر بالفعل إلي رئيس هيئة قناة السويس بالبدء في هذه العملية غداة إتمامتحرير الضفة الشرقية للقناة وقد بدأت بالفعل مقدمات للإستعداد لهذه المهمة
خامساً : إننا لسنا علي إستعداد في هذا كله لقبول وعود بمهمة أوبمبادرات مضللة تقبل كل تفسير وكل تأويل وتستنزف الوقت مما لا جدوي منه وتعيدقضيتنا إلي جمودها لم نعد نقبل به مهما كانت الأسباب لدي الغير أو تضحيات بالنسبةلنا ، ما نريده الآن هو الوضوح ، الوضوح في الغايات والوضح في الوسائل
أيها الإخوة والأخوات
لقد قلنا كلمتنا وأدعو الله مخلصاً أنيفهمها الجميع في إطارها الصحيح وأن يضعوها علي الخط المستقيم وأن يحسنوا تقديرالأمور إن هذه المسألة تتطلب شجاعة الرجال وعقل الرجال ومن جانبنا فإننا نواجه هذهالساعات بخضوع الصادقين مع الله ومع أنفسهم ومع أمتهم ومع إنسانيتهم هذه ساعات تدورفيها معارك أكبر مما دار من أسلحة تقليدية حتي في حروب العمالقة، هذه ساحات تتقررفيها مصائر وتتحدد فيها علاقات سوف تفرض نفسها علي المستقبل وهي تؤكد نفسها فيالحاضر هذه ساعات يتقدم فيها أبطال ، وهذه ساعات يسقط بل يرتفع فيها شهداء هذهساعات حافلة بمشاعر متباينة تمتزج فيها صيحة الفرح بمشاعر عميقة أخري ذلك إننا كناولازلنا نريد الحق ولا نريد الحرب لكننا كنا ولانزال نريد الحق حتي إذا فرضت عليناالحرب وحين كانت نشوة الانتصار تملأ كل القلوب فانني كنت فيما بيني وبين ربي أعرفمدي العناء الإنساني الذي ندفعه في سبيل النصر
ولقد كنت أتتبع أنباء إنتصارنا في خشوع لإنني أعرف الحرب ولقد كانأعز القائلين هو الذي علمنا >كتب عليكم القتال وهو كره لكم
أيها الإخوة والأخوات
هذه ساعات نعرف فيها أنفسنا ونعرف فيهاالأصدقاء ونعرف فيها الأعداء ، ولقد عرفنا انفسنا ولقد عرفنا اصدقائنا وكانوا بأصدقوأخلص ما نطلب من الأصدقاء ولقد كنا نعرف عدونا دائماً ولسنا نريد أن نزيد منأعداءنا بل اننا لنوجه الكلمة بعد الكلم والتنبيه بعد التنبيه ، والتحذير بعدالتحذير لكي نعطي للجميع فرصة يراجعون ولعلهم يتراجعون لكننا بعون الله قادرون بعدالكلمة وبعد التنبيه وبعد التحذير أن نوجه الضربة بعد الضربة ولسوف نعرف متي وأينوكيف إذا أرادوا التصاعد فيما يفعلون ، الأمة العربية كلها وأسمح لنفسي أن أعبرعنها ، لن ننسي مواقف هذه الساعات أن الأمة العربية لم تنس اصدقاءها هذه الساعاتالذين يقفون معها ولن ننسي أعداء هذه الساعات الذين يقفون مع عدونا " ربنا كن لنعونا وهدي .. ربنا وبارك لنا في شعبنا وأمتنا ربنا انك وعدت ووعدك الحق " ان تنصرواالله ينصركم ويثبت أقدامكم "
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته