صلاح عيسي |
صلاح عيسي يكتب في اليوم السابع : مسلسلات «المناقب» التليفزيونية
لا يزال الجميع يصرون على إطلاق مصطلح «مسلسلات السير الذاتية» على المسلسلات التليفزيونية التى تتخذ من حياة شخصية تاريخية موضوعاً لها، مع أن «السيرة الذاتية» فى مصطلحات علم التاريخ هى السيرة التى يكتبها صاحبها عن نفسه، ويؤرخ بها لحياته من وجهة نظره، ومن أشهر نماذجها كتاب «الأيام» الذى روى فيه «طه حسين» ذكرياته، وتحول فيما بعد لمسلسل تليفزيونى، وهو يكاد يكون المسلسل الوحيد الذى يمكن إدراجه فى خانة مسلسلات «السير الذاتية» أما بقية المسلسلات فهى مسلسلات «سير» فقط، لأن الذى يرويها- من وجهة نظره- هو كاتب السيناريو وليس صاحب السيرة.
ولأن كله عند العرب صابون، فمن الإنصاف للذين يقعون فى هذا الخطأ الشائع، أن نقول إنهم لم يبتعدوا كثيراً عن الحقيقة، لأن صناع هذا النوع من المسلسلات يخلطون بين «السير» و«السير الذاتية» ويفتقدون للحيدة والموضوعية التى ينبغى أن يتصف بها المؤرخ، ويترجمون لهذه الشخصيات، من وجهة نظر أصحابها.
وراء هذا الخلط فى كتابة التراجم التليفزيونية، ضغوط أقارب الشخصيات التاريخية الذين يطاردون صناع هذه المسلسلات، بالمكائد القضائية، بدعوى أنها تشوه سيرتهم، كما حدث فى مسلسلات «الشيخ الشعراوى» و«أسمهان» و«ليلى مراد»، وفضلاً عن أن بعضهم يعتقدون أنهم أصحاب حق فى الحصول على عائد مالى من استثمار سير أسلافهم فى صورة مصنفات فنية، مما يدفعهم لإثارة المتاعب فى وجه صناعها، فهناك شخصيات يعتبرها آخرون مقدسة، لأسباب سياسية أو دينية أو مذهبية، فيشكلون بذلك ضغطاً على صناعها يجبرهم على الانحياز إليها.. لا إلى الحقيقة التاريخية!
> وهكذا أصبح المصطلح الأكثر انطباقاً على المسلسلات العربية التى تترجم لحياة الشخصيات التاريخية، هو أنها «مسلسلات المناقب» نسبة إلى مدرسة من مدارس التاريخ الإسلامى، اهتم أصحابها بسرد مناقب- أى مفاخر- الأولياء لأن هذه الشخصيات بحكم شهرتها وإعجاب الناس بها، تمثل قدوة للآخرين ومثالاً يحتذون به، لا يجوز لمن يؤرخ لها، خاصة عبر وسيلة إعلام جماهيرية مثل التليفزيون، أن ينسب إليها نقائص أو مثالب أو أخطاء تخدش صورتها المستقرة فى أذهان الناس، حتى لو كانت تلك هى الحقيقة التاريخية.
أصبح علينا أن نصدق أن كل الشخصيات التى تترجم لها الدراما التليفزيونية هى كائنات ملائكية، لم ترتكب فى حياتها خطأ أو خطيئة، مما يرتكبه كل البشر، بما فى ذلك نحن الذين نشاهدها، وأنها تتصف بصفات غير التى نتصف بها، فهى لا تكذب ولا تغار، ولا تحقد ولا تشعر بالمنافسة، ولا تتآمر على أحد، ولا تمارس أى نسبة من الشر.
> ومع أن معظم هذه المسلسلات يعرض لأول مرة عادة فى شهر رمضان، فإن صناعها ينسون أن الكذب من مبطلات الصيام، فيسوقون إلينا مجموعة من أنصاف الحقائق التى هى نوع من الكذب، ويطلبون منا أن نصدق مثلاً أن «الشحرورة» كانت ضحية لكل من يحيط بها، وأنها لم ترتكب فى حياتها خطأ قادها إلى ما اعترض مسيرتها من عقبات، وأن كل من يلقاها كان يقع فى غرامها من النظرة الأولى، وأن نصدق أن «الريان» كان رائداً من رواد الاقتصاد المصرى، وأنه كون ثورته عبر عمل شاق ودؤوب لا تشوبه شائبة، ولا يعتريه خطأ، وأن نتجاهل حقيقة أن «أم كلثوم» على الرغم مما بلغته من مكانة، كانت تشعر بالمنافسة التى تصل إلى حد الغيرة تجاه «أسمهان»، وأن «صباح» كانت تشعر بشىء من ذلك تجاه «نور الهدى»، وأن «عبدالحليم حافظ» كان يشعر به أيضاً تجاه كل الأصوات التى واكبت صعوده أو جاءت بعده.
> ما يفوت على هؤلاء أن مسلسلات المناقب، أعجز من أن تحقق الهدف الذى يتذرعون به، لإخفاء نصف الحقيقة، وهو أن تتحول هذه الشخصيات إلى قدوة يتبعها الشباب، لأنها تقدمهم فى صورة مثالية لبشر لا ينتمون إلى جنس البشر، وكأن الله قد خلقهم من طينة غير التى خلق منها بقية عباده، وبالتالى يشعر كل منا نحن البشر المساكين الذين نرتكب فى حياتنا اليومية أخطاء كبيرة وصغيرة، بأنه غير مؤهل لكى يكون مثل هذه الكائنات النورانية الملائكية، وأعجز من أن يسير على دربهم أو أن يتخذ منهم قدوة، فيكتفى بمشاهدة مسلسلات المناقب لمجرد أن يتحسر على نفسه!
وهكذا يكون الفن الهادف -أو الهاتف- وإلا فلا.
ولأن كله عند العرب صابون، فمن الإنصاف للذين يقعون فى هذا الخطأ الشائع، أن نقول إنهم لم يبتعدوا كثيراً عن الحقيقة، لأن صناع هذا النوع من المسلسلات يخلطون بين «السير» و«السير الذاتية» ويفتقدون للحيدة والموضوعية التى ينبغى أن يتصف بها المؤرخ، ويترجمون لهذه الشخصيات، من وجهة نظر أصحابها.
وراء هذا الخلط فى كتابة التراجم التليفزيونية، ضغوط أقارب الشخصيات التاريخية الذين يطاردون صناع هذه المسلسلات، بالمكائد القضائية، بدعوى أنها تشوه سيرتهم، كما حدث فى مسلسلات «الشيخ الشعراوى» و«أسمهان» و«ليلى مراد»، وفضلاً عن أن بعضهم يعتقدون أنهم أصحاب حق فى الحصول على عائد مالى من استثمار سير أسلافهم فى صورة مصنفات فنية، مما يدفعهم لإثارة المتاعب فى وجه صناعها، فهناك شخصيات يعتبرها آخرون مقدسة، لأسباب سياسية أو دينية أو مذهبية، فيشكلون بذلك ضغطاً على صناعها يجبرهم على الانحياز إليها.. لا إلى الحقيقة التاريخية!
> وهكذا أصبح المصطلح الأكثر انطباقاً على المسلسلات العربية التى تترجم لحياة الشخصيات التاريخية، هو أنها «مسلسلات المناقب» نسبة إلى مدرسة من مدارس التاريخ الإسلامى، اهتم أصحابها بسرد مناقب- أى مفاخر- الأولياء لأن هذه الشخصيات بحكم شهرتها وإعجاب الناس بها، تمثل قدوة للآخرين ومثالاً يحتذون به، لا يجوز لمن يؤرخ لها، خاصة عبر وسيلة إعلام جماهيرية مثل التليفزيون، أن ينسب إليها نقائص أو مثالب أو أخطاء تخدش صورتها المستقرة فى أذهان الناس، حتى لو كانت تلك هى الحقيقة التاريخية.
أصبح علينا أن نصدق أن كل الشخصيات التى تترجم لها الدراما التليفزيونية هى كائنات ملائكية، لم ترتكب فى حياتها خطأ أو خطيئة، مما يرتكبه كل البشر، بما فى ذلك نحن الذين نشاهدها، وأنها تتصف بصفات غير التى نتصف بها، فهى لا تكذب ولا تغار، ولا تحقد ولا تشعر بالمنافسة، ولا تتآمر على أحد، ولا تمارس أى نسبة من الشر.
> ومع أن معظم هذه المسلسلات يعرض لأول مرة عادة فى شهر رمضان، فإن صناعها ينسون أن الكذب من مبطلات الصيام، فيسوقون إلينا مجموعة من أنصاف الحقائق التى هى نوع من الكذب، ويطلبون منا أن نصدق مثلاً أن «الشحرورة» كانت ضحية لكل من يحيط بها، وأنها لم ترتكب فى حياتها خطأ قادها إلى ما اعترض مسيرتها من عقبات، وأن كل من يلقاها كان يقع فى غرامها من النظرة الأولى، وأن نصدق أن «الريان» كان رائداً من رواد الاقتصاد المصرى، وأنه كون ثورته عبر عمل شاق ودؤوب لا تشوبه شائبة، ولا يعتريه خطأ، وأن نتجاهل حقيقة أن «أم كلثوم» على الرغم مما بلغته من مكانة، كانت تشعر بالمنافسة التى تصل إلى حد الغيرة تجاه «أسمهان»، وأن «صباح» كانت تشعر بشىء من ذلك تجاه «نور الهدى»، وأن «عبدالحليم حافظ» كان يشعر به أيضاً تجاه كل الأصوات التى واكبت صعوده أو جاءت بعده.
> ما يفوت على هؤلاء أن مسلسلات المناقب، أعجز من أن تحقق الهدف الذى يتذرعون به، لإخفاء نصف الحقيقة، وهو أن تتحول هذه الشخصيات إلى قدوة يتبعها الشباب، لأنها تقدمهم فى صورة مثالية لبشر لا ينتمون إلى جنس البشر، وكأن الله قد خلقهم من طينة غير التى خلق منها بقية عباده، وبالتالى يشعر كل منا نحن البشر المساكين الذين نرتكب فى حياتنا اليومية أخطاء كبيرة وصغيرة، بأنه غير مؤهل لكى يكون مثل هذه الكائنات النورانية الملائكية، وأعجز من أن يسير على دربهم أو أن يتخذ منهم قدوة، فيكتفى بمشاهدة مسلسلات المناقب لمجرد أن يتحسر على نفسه!
وهكذا يكون الفن الهادف -أو الهاتف- وإلا فلا.
رابط المقال: مسلسلات «المناقب» التليفزيونية
المصدر: جورنال أون لاين
0 تعليقات:
إرسال تعليق