فاطمة ناعوت |
فاطمة ناعوت تكتب في المصري اليوم: «اضطهاد المتنصِّرين»! القرصنة الحديثة
خبرٌ كاذب ينتشر هذه الأيام مثل البرق على
صفحات الإنترنت حول كتاب جديد عنوانه: «اضطهاد المتنصرين»، بقلم فاطمة
ناعوت، صادر عن دار «الانتشار العربى»، التى لم أنشر فيها أبدًا! ومثلما
الخبرُ مشحونٌ بركاكةِ الصوغ وسذاجةِ المعنى، لا يخلو غلافُ الكتاب كذلك من
هزل الوقوع فى خطأ نحوى ساذج لا يقع فيه طفل. همزة وصل مكتوبة، وتنوينٌ
بالضمّ على كلمة «مُعرّفة»، «مجرورة»!! والمُعرَّف لا يُنوّن، ولا المجرور
يُرفع بالضمّ! فجاء عنوان الكتاب «(إ)ضطهاد المتنصريـ(نٌ)، لتكتمل ملهاةُ
السخف. فقلتُ فعلاً: «العلمُ نورن»، وابتسمتُ إذْ تذكّرتُ الفنان الجميل
عبدالمنعم مدبولى يقول: «غزالٌ، يهبلن»، مغازلاً الصبية الجميلة.
ولاكتمال الدراما، وُضعت بالخبر كلماتٌ تفخيمية قبل اسم سيادتى من
قبيل: الكاتبة الكبيرة، الجريئة، الشجاعة، الرائعة، ولم ينس المفبرك أن
يُذيّل الخبرَ برابط لتحميل الكتاب إلكترونيا، أظنه محمّلاً بفيروس.
والحقُّ أن تنوين ما لا يُنوَّن ليس الخطأ الوحيد. فثمة خطأ فكرى كذلك.
فأنا لا أفهم كلمة «مُتنصِّر»، وإن تكن شائعة. فمسيحيو مصرَ ليسوا «نصارى»!
أولاً، لأنهم لا ينتمون إلى الناصرة، التى سُمّى باسمها النصارى أيام
الرسول- صلى الله عليه وسلم- بل ينتمون إلى مصر، فهم أقباطٌ مسيحيون، مثلما
نحن أقباطٌ مسلمون. وثانيًا، لأن النصرانية تختلف جوهريا عن العقيدة
المسيحية.
أرفضُ مصطلح: «متنصّرين» مثلما أرفضُ تعبير: «أهل ذمة، أو ذميّون»
الذى أُطلق مع بدايات الإسلام. فمسيحيو مصر الراهنون ليسوا رعايا أو ضيوفًا
أو لاجئين أو فاقدى أهلية، ليكونوا فى ذمّة أحد! إنما هم أصحابُ بلد
أصلاء، قبل دخول العربِ مصرَ، وقبل دخول الإسلام. فهم بهذا أجدادُنا، نحن
مسلمى مصر الراهنين. فهل يغدو الأجدادُ فى ذمّة الأحفاد؟! الأولى أن نسمّى
مَن يختار تغيير دينه مُتحوِّلاً إلى المسيحية، أو متحوّلاً إلى الإسلام.
وكلا الفريقين لا يدخلان فى دائرة اهتمامى حتى أؤلّف حولهما كتابًا. إنما
همّى الأكبر حقوقُ المواطنة لكل المصريين، وعدم ربط المواطَنة بالعقيدة.
فالعقيدةُ شأنٌ خاصٌّ بين الإنسان وربّه، فيما المواطَنةُ شأنٌ عامٌّ بين
مصر والمصريين والدولة والقانون والدستور والحق والواجب.
والحقُّ أنها المرّة الأولى التى تصادفنى فيها تلك النوعيةُ من
«القرصنة المعكوسة». فقد اعتاد الكُتّابُ أن يقلقوا على سرقة مقالاتهم
وقصائدهم وكتبهم، ونسبها إلى غيرهم. وبالفعل وقعتُ فى هذه القرصنة عدة
مرّات، سأحكى أطرفَها ربما فى مقال قادم. أما أن يَنسِب أحدُهم كتابه إلى
غيره من الكُتّاب، فأمرٌ عجيب غير مفهوم! اللهم إلا إن كان لونًا من
التوريط الرخيص فى كتاب تافه يحمل مضمونًا مريبًا، لذلك أنا على ثقة بأنه
لا كتابَ ثمة يحمل ذاك العنوان، إنْ هو إلا صورةُ غلاف فُبركت على برنامج
فوتوشوب، ليس إلا!
أما الغرض من نسب كتاب- لا أعرف عنه شيئًا- لى، فأظنه محاولة منهم
لتشويه اسمى بين القراء، ضمن الحملة غير الشريفة المشتعلة الآن ضدى وضد
سواى من الكتّاب الليبراليين الذين يحاولون إنقاذ مصر من الظلام الذى
يدفعها نحوه أعداءُ الحياة- أعداءُ السلام والجمال والوطن. فليس أسوأ من
اقتران اسمى بكتاب يؤجج الفتنة الطائفية ويصدّع نسيجَ المصريين الواحد.
وهذا بالضبط عكس ما أسعى إليه. فليس من حُلم لى إلا عودة مصرَ إلى سابق
عهدها الليبرالىّ المستنير الجميل فى بدايات القرن الماضى، قبل وأده مع
استفحال المدّ الرجعىّ فى السبعينيات الماضية. لك الله يا مصر.
fatma_naoot@hotmail.com
رابط المقال: «اضطهاد المتنصِّرين»! القرصنة الحديثة
المصدر: جورنال أون لاين