إبراهيم عيسي يكتب: إسماعيل يس فى البوليس

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011 | 3:21 م

إبراهيم عيسي يكتب في التحرير: إسماعيل يس فى البوليس
إبراهيم عيسي
قيل لنا إن جهاز أمن الدولة تم حله!
ولكن لماذا بقيت حتى الآن قضايا يتم إحالتها إلى المحاكم، باعتبارها قضايا أمن دولة عليا؟
القانون إذن لم يتغير!
نيابة أمن الدولة العليا ومقرها فى التجمع الخامس هناك حاضرة، وتقوم -بكامل هيئتها- بمهامها، تعمل وتحقق وتحيل، وكأن جهاز أمن الدولة (الذى ينتمى إليه كثير من السادة وكلاء النيابة فى هذا المبنى، حيث كانوا يعملون ضباطا بالجهاز قبل التحاقهم بالنيابة)، لا يزال يعمل أو على الأقل قضاياه لا تزال فى المشهد السياسى، والغريب أننا لم نر أحدا من رموز النظام الفاسد المستبد (ولا واحد، عارفين يعنى إيه ولا واحد)، قد أحيل إلى نيابة أمن الدولة، رغم انتهاكهم لأمن الدولة وعرضها طيلة حكمهم، ثم أليست نيابة أمن الدولة هى التى كانت تحقق فى التهم التى تصل إليها من مباحث أمن الدولة، وكانت تحيل إلى المحاكمة القضايا التى قيل لها أن تحيلها!
لماذا نتهم بوليس أمن الدولة إذن ولم نقف على باب نيابة أمن الدولة لنسأل عمَّ فعلته فى الدولة؟
يبقى إذن هل حلّوا فعلا أمن الدولة أم حلحلوا فيه قليلا وأطلقوا عليه اسما جديدا؟
أرجو أن تصدقنى لو قلت لك إن هذا ليس مهما..
ليه؟
أقولك حيث إن الثورة بالثورة تذكر، إنه بعد ثورة يوليو بأقل من أسبوعين فقط صدر قرار كان ينتظره الجميع، وطالبت به كل القوى السياسية وقتها، وهو إلغاء البوليس السياسى بجميع فروعه من المدن الرئيسية والأقاليم، الذى كان يحمل اسما آخر هو «القلم المخصوص»، وهو الجهاز الذى كانت مهمته أن يطارد ويلاحق ويتنصت ويعتقل السياسيين فترتها، صحيح أنه كان أقل توحشا وأقل تكنولوجيا وأقل عددا، إلا أن دوره كان قمع المقاومة الوطنية فى مصر، وإجهاض أى تغيير حقيقى فى البلد.
طبعا فشل، بدليل انتشار عشرات الجمعيات السرية وقتها، فضلا عن نجاح إحداها -وهى الضباط الأحرار- فى القيام بانقلاب. أول قرار اتخذه بعد قرابة 12 يوما من نجاحه هو إلغاء هذا الجهاز نفسه.
قطعا انبسط الناس وفرحوا بهذا القرار، لكن هل منع هذا ثورة يوليو من القبض على المعارضين السياسيين؟
هل كان معناه أن مصر عاشت حياة ديمقراطية سليمة أو مريضة حتى؟
لا..
وكان طبيعيا أن تنشئ الثورة جهاز المباحث العامة، ليحل محله، ثم تتوج دولة عبد الناصر حالتها البوليسية بإنشاء جهاز أمن الدولة عام 1968!
ما معنى هذا؟
معناه أنه ليس مهما وجود الجهاز من عدمه، المهم هو قيام الدولة ووجود الديمقراطية الحقيقية التى تجعل أى جهاز ليس شيئا فى ذاته، ما دام هناك منهج لعمله ورقابة عليه ومحاسبة له، أما لعبة تغيير الأسماء من غير تغيير العقيدة، فهى أشبه بالأخ كوهين، الذى أطلق على نفسه اسم مصطفى، بينما ظل يهوديا، الموضوع كما بدا منذ ثورة يوليو حتى يناير ليس بالأسماء، وإن هى إلا أسماء سميتموها!
إذا كانت الدولة ديمقراطية ساعتها سيكون جهاز أمن الدولة ديمقراطيا.
وإذا لم تكن كذلك فوالله لو أسستم جهازا أمنيا أطلقتم عليه اسم جهاز خدامى الشعب، فسيكون رغم اسمه قمعيا شرسا ضد الشعب!
الأمر كله يعود بى إلى إسماعيل يس، هذا الفنان الرائع (الذى تمر الذكرى التاسعة والتسعون على ميلاده هذه الأيام)، قدم فيلما خالدا على طريقته عام 1956، وهو فيلم «إسماعيل يس فى البوليس»، ويبدو من الدقيقة الأولى فى هذا الفيلم أن العلاقة بين الشعب والبوليس يومها لم تكن طيبة، وكان الناس يكرهون جهاز الشرطة، ولاحظ أننا نتكلم عن عام 56، وعن فوران الثورة، وعن عالم نحب أن نتكلم عنه، باعتباره كان رومانسيا، كل نساء مصر فيه كن فاتن حمامة، وكل رجالها كانوا أحمد مظهر.. ما دليلى على أن مشاعر الشعب تجاه الشرطة فى 56 لم تكن تفرق خالص تقريبا عن مشاعر الناس تجاه الشرطة عام 2011؟ تعال اقرأ معى هذا الشكر الذى كتبته الشركة المنتجة للفيلم قبل أن يظهر إسماعيل يس فى أول مشهد:
«تتقدم شركة (أفلام الاتحاد) بعظيم الشكر ووافر التقدير إلى السيد وزير الداخلية والسادة القادة وضباط وصف ضباط وعساكر وحدات البوليس المختلفة، الذين لولا تعاونهم السابق واشتراكهم الفعلى فى إنتاج هذا الفيلم، لما أمكن إخراجه على الوجه الأكمل، و(أفلام الاتحاد) ترجو أن تكون قد وفقت من جهتها فى تحقيق هدفها من إنتاج هذا الفيلم، وهو تعريف الناس برجل البوليس، وثقل الأعباء الملقاة على عاتقه، وتعريفهم بأن رجل البوليس بشر مثلهم، يسعد ويشقى مثلهم، يضحك ويبكى مثلهم، إلا أن عمله وواجبه كثيرا ما يحول بينه وبين أن ينقاد لعواطفه البشرية، مما يجعل بعض الناس يظنونه من طينة غير طينتهم، لكنهم لو عرفوا الدوافع التى تكمن وراء تصرفاته على حقيقتها، لمجّدوه وأحبوه وعاونوه على تأدية رسالته، التى تتلخص فى أن رجل البوليس فى خدمة الشعب والوطن».
ثم تنزل تترات فيلم «إسماعيل يس فى البوليس»!
رابط المقال:  إسماعيل يس فى البوليس
المصدر: جورنال أون لاين