خالد منتصر |
خالد منتصر يكتب في المصري اليوم: استفزاز أم ابتزاز؟!
هل يعرف السلفيون الذين أحرقوا كنيسة «المريناب» من هو المهندس الذى بنى جامع أحمد بن طولون.. أجمل تحفة معمارية إسلامية؟ إنه المهندس القبطى سعيد بن كاتب الفرغانى الذى طلب منها بن طولون أن يبنى مسجداً يبقى ويظل شامخاً ولو أحرقت مصر أو أغرقت!! هل قرأ السلفيون عن أبى منصور وأبى مشكور اللذين صمما وبنيا قلعة صلاح الدين؟ إنهما مهندسان قبطيان، هل سمع هؤلاء الذين دمروا وخربوا عن السيل العظيم الذى صدع الكعبة قديماً وأعاد بناءها نجارون وبناءون أقباط؟! وبفضل مهارة الأقباط فى صناعة النسيج كانوا هم أفضل من ينسج كسوة الكعبة المهداة للسعودية من مصر أرض الفن الرفيع الذى صنعه مسلمون وأقباط، ويا ليت هؤلاء الكارهين الحارقين المخربين يعرفون ويفقهون أصل كلمة «قباطى»، هل لم يصلهم كتاب البلاذرى عن فتوح البلدان الذى ذكر فيه أن الوليد استعان بأقباط مصر لإعادة بناء مسجد المدينة؟!!
ما جرى من جلسات صلح عرفى بين أقباط القرية الذين لديهم رخصة إعادة ترميم كنيسة وسلفييها الرافضين للترميم، أو فلنقل بصراحة أكثر الرافضين بناءها من الأصل، يستحق لقب المهزلة الكبرى أو الكوميديا السوداء، فوسط حضور الجيش والشرطة وبرعاية المحافظ تم إملاء شروط غريبة وعجيبة ومجحفة على خادم الكنيسة لتمرير الموافقة المبدئية، منها عدم وضع صلبان وبناء قباب لأن هذا يستفز مشاعر مسلمى القرية!! ولم يجب أحد من الحاضرين لماذا ومنذ سنة 1940 كانت هذه المشاهد لا تستفز أحداً، وكان الكل جيراناً، وكانت قيمة المواطنة وسلطة القانون هى الفيصل والحكم والمعيار، لم يكن هناك خطيب جامع يحرض ويشعل الفتنة ويلهب مشاعر الشارع بخطبه النارية من على المنبر، ويترك هكذا بدون عقاب قانونى، لم يكن هناك محافظ يبرر ما حدث بفورة وحماس الشباب! لم يكن هناك تواطؤ أو «طناش» أو «تعامى» أو غفلة، لم تكن هناك قنوات فضائية تحريضية تحتضن قتلة تنتفخ جيوبهم برائحة الريالات الوهابية لقاء صب الزيت على النار وتمزيق نسيج الوطن.
حكاية استفزاز الصليب لمشاعر أهل إدفو ذكرتنى بقصة قصيرة كتبتها فى بداية دراستى فى كلية الطب ونشرتها على مجلة حائط، ومزقها لى قطب الإخوان الكبير دكتور عصام العريان بصفته المشرف الثقافى باتحاد الكلية! عندما حملت قصاصاتى إلى حيث مكان اللجنة الثقافية، كان الرد لأن القصة بها كلمة الصليب! القصة عنوانها «مأساة عباس بن فرناس»، وكنت قد تخيلت فيها أن عباس بن فرناس طار ليدهش أهل مدينته المغيبين، طار ليحدث صدمة لسباتهم ولامبالاتهم، فقد كان يقرأ كشاعر وعالم أن لحظة انهيار الأندلس قد اقتربت، القصة القصيرة فن، والفن خيال وتحليق، ذكرت فى القصة أن هذا المجتمع القاسى كان يريد صلبه لأنه متمرد وصادم، قامت القيامة ضدى وتم تمزيق القصة عدة مرات كلما حاولت تعليقها على حائط بعيد على أطراف الكلية، انتهت المطاردة بالمصادرة، ولكنى أيقنت فى ذلك الحين أن تكتيك الكلمات المعسولة والوعود الوردية لتيار الإسلام السياسى لابد ألا يعمينا عن استراتيجية الفاشية الفكرية التى يتبناها هؤلاء والتى تستدعى إلى الذاكرة بيت المتنبى الشهير:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
احرقوا عربات الإسعاف التى تحمل علامة الصليب الأحمر للوقاية من الاستفزاز، امنعوا علوم الحساب واشطبوا علامة الزائد فى كل عمليات الجمع لأنها تستفز المشاعر، اقتلوا الأطفال الذين يلعبون بالطائرات الورقية لأنها تبدأ برسم صليب من البوص والغاب.
لا أستبعد أن تصل مصر إلى هذا المستنقع إذا ظللنا على هذا الحال من نوبات الغيبوبة والهستيريا التى حتماً ستدفننا مع نفايات التاريخ.
info@khaledmontaser.com
رابط المقال: استفزاز أم ابتزاز؟!
المصدر: جورنال أون لاينما جرى من جلسات صلح عرفى بين أقباط القرية الذين لديهم رخصة إعادة ترميم كنيسة وسلفييها الرافضين للترميم، أو فلنقل بصراحة أكثر الرافضين بناءها من الأصل، يستحق لقب المهزلة الكبرى أو الكوميديا السوداء، فوسط حضور الجيش والشرطة وبرعاية المحافظ تم إملاء شروط غريبة وعجيبة ومجحفة على خادم الكنيسة لتمرير الموافقة المبدئية، منها عدم وضع صلبان وبناء قباب لأن هذا يستفز مشاعر مسلمى القرية!! ولم يجب أحد من الحاضرين لماذا ومنذ سنة 1940 كانت هذه المشاهد لا تستفز أحداً، وكان الكل جيراناً، وكانت قيمة المواطنة وسلطة القانون هى الفيصل والحكم والمعيار، لم يكن هناك خطيب جامع يحرض ويشعل الفتنة ويلهب مشاعر الشارع بخطبه النارية من على المنبر، ويترك هكذا بدون عقاب قانونى، لم يكن هناك محافظ يبرر ما حدث بفورة وحماس الشباب! لم يكن هناك تواطؤ أو «طناش» أو «تعامى» أو غفلة، لم تكن هناك قنوات فضائية تحريضية تحتضن قتلة تنتفخ جيوبهم برائحة الريالات الوهابية لقاء صب الزيت على النار وتمزيق نسيج الوطن.
حكاية استفزاز الصليب لمشاعر أهل إدفو ذكرتنى بقصة قصيرة كتبتها فى بداية دراستى فى كلية الطب ونشرتها على مجلة حائط، ومزقها لى قطب الإخوان الكبير دكتور عصام العريان بصفته المشرف الثقافى باتحاد الكلية! عندما حملت قصاصاتى إلى حيث مكان اللجنة الثقافية، كان الرد لأن القصة بها كلمة الصليب! القصة عنوانها «مأساة عباس بن فرناس»، وكنت قد تخيلت فيها أن عباس بن فرناس طار ليدهش أهل مدينته المغيبين، طار ليحدث صدمة لسباتهم ولامبالاتهم، فقد كان يقرأ كشاعر وعالم أن لحظة انهيار الأندلس قد اقتربت، القصة القصيرة فن، والفن خيال وتحليق، ذكرت فى القصة أن هذا المجتمع القاسى كان يريد صلبه لأنه متمرد وصادم، قامت القيامة ضدى وتم تمزيق القصة عدة مرات كلما حاولت تعليقها على حائط بعيد على أطراف الكلية، انتهت المطاردة بالمصادرة، ولكنى أيقنت فى ذلك الحين أن تكتيك الكلمات المعسولة والوعود الوردية لتيار الإسلام السياسى لابد ألا يعمينا عن استراتيجية الفاشية الفكرية التى يتبناها هؤلاء والتى تستدعى إلى الذاكرة بيت المتنبى الشهير:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
احرقوا عربات الإسعاف التى تحمل علامة الصليب الأحمر للوقاية من الاستفزاز، امنعوا علوم الحساب واشطبوا علامة الزائد فى كل عمليات الجمع لأنها تستفز المشاعر، اقتلوا الأطفال الذين يلعبون بالطائرات الورقية لأنها تبدأ برسم صليب من البوص والغاب.
لا أستبعد أن تصل مصر إلى هذا المستنقع إذا ظللنا على هذا الحال من نوبات الغيبوبة والهستيريا التى حتماً ستدفننا مع نفايات التاريخ.
info@khaledmontaser.com
رابط المقال: استفزاز أم ابتزاز؟!