فاطمة ناعوت تكتب في اليوم السابع: محافظ أسوان الهُمام
فاطمة ناعوت |
سنغضُّ الطرفَ عن أن المنشأة «بالمصادفة» كانت كنيسة اسمها مارجرجس بالماريناب، مثلما سنغضُّ الطرف عن توقيت الهدم والحرق، الذى كان «بالمصادفة» بعد صلاة الجمعة، التى اجتمع فيها «شبابنا» الواعد، لينصتوا للإمام وهو يعلّمهم فى خطبة الجمعة أن المسيحيين كفرة، وأن دور عبادتهم حرامٌ، وأن أهالى القرية المسلمين رهيفون جدًّا، تجرحُ عيونَهم رؤيةُ الكنائس، «ولم يفكر أن يتساءل إن كان صوت بعض المؤذنين النشاز يجرح مسامع المسلمين والمسيحيين على السواء»، وأن المسيحيين خارجون على القانون لأنهم وضعوا «قبّة» فوق كنيستهم زادت من ارتفاعها «أربعة أمتار»، ومن ثم وجب «الجهادُ» فى سبيل الله لإزالة الأمتار الأربعة، التى تُمثّل عائقًا بيننا وبين السماء فتحجب عنّا نورَ الله ورضاه. كذلك سنغضُّ الطرفَ عن أن «شبابنا» «3000 مسلم» حرق «بالمرة» عدة بيوت، «بالمصادفة» كانت تخصُّ مسيحيين، بعدما أضرموا النار فى الكنيسة، ثم منعوا سيارات الإطفاء من دخول القرية، وهددوا الأقباط بأنهم سيحرقونهم جميعًا فى الليل، فهرب الأقباطُ إلى المجهول عبر النيل فى المعدّيات. سنغضُّ الطرف عن تهاون المحافظ مع إمام مسجد يحرّض الشباب على الفتنة الطائفية بدل أن يعلّمهم المحبة والإخاء كما يأمر الإسلام. ونغضُّ الطرف كذلك عن وجود محافظ «بعد ثورة يناير» يرحب بأن ينفذ المواطنون القوانينَ بأيديهم افتئاتًا على الجهات المنوط بها فعل ذلك، كأنما لم نسمع من قبل عن المحليات، وعن وجوب فصل المؤسسات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية!! وسنغضُّ الطرفَ أيضًا عن تطاوله الفجّ على مذيعة قناة «مودرن»، حينما ناقشته بأدب، و«أحرجته» إذْ بيّنت له أنه لا يصحُّ أن يوافق مسؤولٌ على «تنفيذ» القانون بأيدى المواطنين، بل بمعرفة ممثلين من المحافظة، وبدلاً من مناقشتها والرد عليها بهدوء قال لها: «انتى عاوزة تتكلمى وخلاص!» الأقباط غلطوا والمسلمين أصلحوا الغلط!!! سنغضُّ الطرف عن كل ما سبق من «مصادفات وعجائب»، ونعتبر الأمرَ بالفعل نزاهةً من محافظ «نزيه» هُمام يسعى لتطبيق القانون وإماطة الأذى عن الطريق وإزالة كل المخالفات والتعدّيات. وهنا، يحقُّ لى، مثلما يحق لكل مواطن مصرى، أن أطالب السيد المحافظ المحترم بأن يقدم لنا قائمةً مفصّلة «بجميع» المخالفات التى تمّت فى محافظة أسوان خلال هذا العام 2011، وتقريرًا مفصّلا عما اتخذته المحافظةُ من قرارات بشأن التعامل مع تلك المخالفات. أما إن ثبت أن تلك الكنيسة بأمتارها الأربعة الزائدة قد أخذت رقم «1» فى قائمة مخالفات هذا العام، رغم وجود عشرات المخالفات الأخرى التى غضَّ المحافظُ عنها الطرف، لسبب فى نفسه، فمن حقّنا أن نُطالب بإقالته ومحاكمته بتهمة «التمييز العنصرى»، والكيل بمكيالين، وعدم العدالة بين أبناء المحافظة، وتأجيج الفتنة الطائفية، هذا إن كانت تلك التهم مدرجةً فى قوانيننا المصرية الراهنة. منذ شهور قام مجموعة من الغلاظ بهدم كنيسة «صول»، على مدى 22 ساعة، على مرأى العالم ومسمعه، دون أن تتحرك الدولةُ لوقف هذا الانتهاك الصارخ لهيبة القانون وجلال الدولة. وهو ما أعتبرُه وصمة عار فى تاريخ مصر لا أدرى إن كانت كتبُ التاريخ فى المدارس ستذكرها لكى يتعلم أطفالنا أن مصرَ، التى لم تُهدُّ فيها كنيسةٌ طوال 14 قرنًا، قد سمحت، بعد الثورة، بهذه المهزلة. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال لم يتم القبض على الجناة، لأن المجنى عليهم، الأقباط، سرعان ما تم استرضاؤهم بإعادة بناء الكنيسة، التى فرحوا بها وصمتوا، كأنما «متلازمة ستوكهولم»، التى تستطيب القمع، قد أصابتهم! وتوقعتُ يومها أن عدم القبض على هادمى كنيسة صول سيفتح الباب مشرعًا أمام البلطجية ليفعلوا ما طاب لهم من جرائم دون خوف. وأعود لأسأل: ما جدوى إعادة «قانون الطوارئ» الذى أبهجنا رجوعه ظنًّا منّا أنه سينقّى مصر من البلطجة والإرهاب؟!
رابط المقال: محافظ أسوان الهُمام