فاطمة ناعوت تكتب في المصري اليوم: السلفيون.. المعماريون الجدد
عرفنا
السلفيين، بوصفهم علماءَ فلك نُبهاءَ، أقرّوا بعدم دوران الأرض وانعدام
تكوّرها، فأدركنا، أخيرًا بعد قرون، كم خدعَنا جاليليو وأمثالُه حين
أقنعونا بدوران الأرض وبقية الكواكب حول الشمس فى مجرّة، هى بدورها تدورُ
وتدور، فى كون لا يستقرُّ ولا يهدأ.
فهمنا الخدعة حين علّمنا الشيخُ
عبد العزيز بن باز، رحمه الله رحمةً واسعة، الحقيقةَ العلمية الفلكية
النهائية قائلاً: «القولُ بدوران الأرض قولٌ باطلٌ، والاعتقادُ بصحّته
مُخرجٌ من المِلّة، لمنافاته ما ورد فى القرآن الكريم من أن الأرض ثابتةٌ،
وقد ثبّتها اللهُ بالجبال. قال سبحانه: «والجبالُ أوتادًا». وقوله جلَّ
وعلا: «وإلى الأرض كيف سُطحت»، وهى واضحةُ المعنى. فالأرضُ ليست كروية ولا
تدور كما تبيّن، وقد يكون دورانُها من غضبه سبحانه، كما فى قوله: «أأمنتم
مَن فى السماء أن يخسِف بكم الأرض فإذا هى تمور» وعرفناهم جيولوجيين،
نبهاءَ أيضًا، حين نقض د.زغلول النجار مزاعمَ علماء الجيولوجيا الذين
أثبتوا بالتحليل النووى أن الأرض عمرها ملايين السنين، فأفهمَنا د.النجار
أن عمرها لا يتجاوز بضعة آلاف سنة.
وعرفناهم أطباءَ أفذاذًا يعالجون
ببول البعير. وعرفناهم علماء اجتماع وحقوق إنسان حين أقرّوا بحرمانية دخول
كليات الحقوق والفنون الجميلة. وعرفناهم أساتذةً فى علم الجمال والفنون
والحضارات حين أفتوا بهدم الأهرامات والتماثيل الفرعونية، أو فى الأقل
تشويه ملامحها لأنها حضارةٌ «عفنة!»
واليومَ، والحمدُ لله، قد أتموّا
نورَهم علينا وخرجوا يثبتون أنهم أيضًا معماريون تتضاءلُ أمام قاماتهم
قاماتٌ معمارية سامقة مثل السويسرىّ «لوكوربوازييه»، والمصريّ «نبيل
شحاته»، والعراقية «زها حديد»، وحتى «عشا حبسد» المهندس الفرعونىّ الذى صمم
معبد «أبوسمبل»، معجزة العمارة الأبدية. أثبت السلفيون اليومَ أنهم علماءُ
فى المعمار، ليقبضوا على العلم والفن من طرفيه، باعتبار العمارةَ أمَّ
الفنون، كما قال الإغريق.
فى مدينة إدفو بمحافظة أسوان، راح بعضُ
السلفيين يهددون باستخدام القوة لإزالة قباب كنيسة «مارجرجس» بقرية
المريناب. بدايةً، كانوا قد «أمروا» بإزالة الصلبان والأجراس من الكنيسة.
ولسبب «غامض»، صدع أولو الأمر «للأمر» وأزالوا الصلبان! حقنًا للدماء ربما!
وربما إداركًا «لحقيقة» تقول إن الدولة لن تنصرهم، للأسف أقول هذا! مثلما
لم تنصرهم، حتى الآن، بالقبض على هادمى كنيسة صول، ومفجّرى كنيسة القديسين،
وإعدام قتلة المُصلّين فى عيدهم بنجع حمادى، وتوقيف قاطعى أُذُن أيمن
ديمترى، وسواها من الجرائم البشعة التى تتوزع على خط الزمن: بعضُها قبل
ثورة يناير، والبعضُ الآخر بعد الثورة المجيدة، تلك التى حلمنا جميعًا أن
تردَّ للمصريين حقوقهم وكرامتهم، ومنها حقوقُ الأقباط التى ظلت حكوماتٌ إثر
حكومات، وحكّامٌ فى إثر حكّام، يتفننون فى إهدارها عِقدًا بعد عقد، حتى
بات الأقباطُ، فى الأخير، يُسلِّمون بعدم أحقيتهم فى شىء، فأنزلوا، عن طيب
خاطر، الصليبَ من على هامة الكنيسة، لتغدو عجيبةً بين كنائس العالم: كنيسةٌ
دون صليب ولا جرس!
لكن السلفيين، كما عهدناهم دائمًا، مبدئيون. لا
يرضون بأنصاف الحلول، فبعد إنزال الصليب والجرس، أصروا على تحطيم القباب
أيضًا! من أجل أن يحارَ عابرُ السبيل فى تحديد طبيعة هذه البناية: أهى
مدرسةٌ؟ أم مصنعٌ؟ أم مبنى إدارىّ؟! على أنه لن يخطر بباله أبدًا أن تلك
البناية دارُ عبادة، بعدما «قصقصوا» منها كل إشارة تدل على ذلك.
أُقرُّ
الآن وأعترفُ، أن أساتذتى فى كلية الهندسة قسم العمارة بجامعة عين شمس قد
ضلّلونا حين علّمونا أن تصميم الكنيسة يأتى على أنماط ثلاثة: الدائرة، التى
تعبر عن وحدة الكنيسة والسيدةُ العذراء تتوسط المركز، أو على هيئة صليب؛
أى رواقين متقاطعين، أو على شكل سفينة نوح، على أن يكون لها أبراجٌ وأجراس.
عرفتُ الآن أنهم علمونا «غلط»، وأن الكنيسةَ دون قباب وأبراج وأجراس
وصلبان، ذلك أفضل جدًّا!
fatma_naoot@hotmail.com
رابط المقال: السلفيون.. المعماريون الجدد