البابا شنودة يكتب: طرق لمعالجة الغضب الخاطئ

الأحد، 18 سبتمبر 2011 | 1:52 م

البابا شنودة
البابا شنودة يكتب في الأهرام: طرق لمعالجة الغضب الخاطئ

ليس كل غضب خطأ أو خطيئة‏.‏ انما الغضب الخاطئ هو الغضب المنفعل الذي تسيطر عليه الأعصاب ويتحول إلي نرفزة‏,‏ ويكون لأسباب ذاتية غير روحية‏,‏ وبأسلوب غير روحي‏.‏

ومن ضمن الطرق التي يعالج بها هذا الغضب:
** الابطاء في الغضب: فالغضب هو حركة سريعة, تثار فتندفع. والابطاء يمنعها. فالابطاء في الغضب يعطي فرصة للتحقق, ولتهدئة النفس من الداخل, والتحكم في الأعصاب وفي اللسان. وقد قال سليمان الحكيم: لا تسرع بروحك إلي الغضب, لأن الغضب يستقر في حضن الجهال. وهذه الجهالة واقع عملي. فكثيرا ما نري أشخاصا يغضبون بسرعة. ثم يرجعون ويندمون علي كل ما فعلوه, ويرونه اندفاعا غير حكيم, ينقصه التروي والفحص, ويقول الواحد منهم عن خطئه:( لم أكن وقتها في عقلي) ونلاحظ أن الابطاء في الغضب يكون مقترنا بصفات الرحمة والرأفة والمغفرة.
لاشك أن الشخص بطيء الغضب هو إنسان كثير الفهم: يفهم مضار الغضب ونتائجه السيئة. ويفهم أنه لا يصنع برا, ولا يقيم سلاما مع الناس بل قد يضر الشخص الغضوب صحيا ونفسيا وروحيا. ويوقعه في خطايا كثيرة, ويجعله عثرة للناس.
والمعروف أن الابطاء في الغضب يمكن أن يمنعه أو يصرفه لانه يجعل الإنسان يجتاز مرحلة الانفعال, ويدخل في دائرة التعقل وأيضا الصبر, وبهذا قد يتبدد الدافع إلي الغضب, وربما يسبب هذا الابطاء هدوء الطرف الآخر ويبطل اثارته.

** آفة الغضب هي السرعة, والتصرف باندفاع وبدون تفكير فلو أنك أبطأت, وبدأت تفكر ولم تترك نفسك فريسة للاندفاع فلابد أنك ستستطيع أن تهدئ نفسك وتحتفظ بأعصابك لذلك قبل أن تلفظ كلمة في غضبك, فكر في نتائجها, والمعروف أن الكلمات في حالة الغضب( أي النرفزة) تخرج بلا ضابط, وكثيرا ما تكون كلمات خاطئة جدا وتسبب مشاكل. كما تكون موضع نقد. أما أنت فلا تندفع بالكلام. وتباطئا حيثما تفهم جيدا ماذا ينبغي أن تفعل وهكذا يكون الابطاء في الغضب يحمل فضيلة ضبط النفس.

** وان لم تعرف كيف تتصرف, اسكت. فالسكوت في حالة الغضب فضيلة, لان تبادل الكلمات الشديدة يزيد الغضب بين الطرفين, والكلمة الانفعالية التي هي نتيجة لإساءة سابقة تصبح مبررا لاهانة لاحقة, وتزيد الجو توترا. علي أن هناك وسيلة تصلح أكثر من السكوت وهي الجواب اللين.

** قال سليمان الحكيم: الجواب اللين يصرف الغضب, والكلام الموجع يهيج السخط. فإذا احتدم الغضب, فإنه لا يعالج بالكلمات الموجعة. ذلك لأن النار لا تطفيء نارا ولكن يطفئها الماء. وهكذا تكون الكلمة اللطيفة أقدر علي إطفاء النار.
ربما يكون الجواب اللين, في كلمة فكاهة أحيانا, حيث تبسط جوا من المرح يزول فيه الغضب, ولكن لابد أن يكون ذلك بروح مودة, لئلا يثير ضحكك الطرف الآخر. والعجيب ان كثيرا من المتدينين المتشددين تنقصهم البشاشة أحيانا. ولذلك نري وجوههم جادة باستمرار وملامحهم صارمة عابثة فإن صادفتهم مشكلة غضب يزيدونها حدة بهذه الجدية فتشتعل, بينما يكون الحل في ابتسامة لطيفة وكلمة رقيقة.

** لذلك كثيرا ما تكون البشاشة علاجا للغضب والشخص البشوش يستطيع أن يستوعب الموقف في لطف ويرد بملامحه المنبسطة المريحة وبوجه مبتسم. وقد يكون الجواب اللين هو كلمة اتضاع. سرعان ما يتلاشي معها غضب الطرف الآخر, ولا يجد أمامه شيئا يقوله.

** علي أنه لا يصلح أسلوب واحد للتهدئة مع جميع الغضوبين. فمع إنسان قد يصلح السكوت, ان كانت كل كلمة يمكن أن تثيره بالأكثر, ومع آخر ربما يثيره صمتك ويحتاج إلي كلمة تهدئة, والأمر يحتاج إلي حكمة: متي تتكلم؟ ومتي تصمت؟ أنظر إلي الشخص الذي أمامك: ماذا يريحه ويهدئه؟

** وفي علاج نفسك من الغضب الخاطئ, تذكر نتائج الغضب السيئة. ولعل من أهم هذه النتائج: هزيمة الإنسان من الداخل, وعثرته للناس في الخارج, وخسارته للآخرين, بل خسارته أيضا في صحته وروحياته وابديته. مع تعقد الأمور بالأكثر نتيجة للغضب الخاطئ فإن اقتنع الإنسان بأن الغضب سيضره من نواح متعددة, حينئذ يجد دافعا في داخله يمنعه من الغضب أو من اكماله.

** وفي كل مرحلة تصل إليها في غضبك احترس من التدرج إلي ما هو أسوأ: فإن دخل الغضب إلي فكرك, احترس من أن يصل إلي قلبك, ويربك مشاعرك ضد غيرك. وان وصل إلي قلبك احترس من أن يصل إلي ملامحك, فيكفهر وجهك وتظهر بأسلوب غير مشرف, وان ساد الغضب علي ملامحك احترس من أن يسود علي لسانك, فتلفظ بألفاظ قاسية. وان ادرك الغضب لسانك, اجعله يقف عند حد من اخطاء اللسان فهي متعددة وان سقطت في اخطاء اللسان, احترس من ان يصل الغضب إلي يدك فتقع في الايذاء والاعتداء. وان وصلت إلي ذلك احترس من القسوة بكل أنواعها, ضع للغضب حدودا في كل مرحلة ولا تجعله يصل إلي مستوي الحقد والكراهية.
علي أننا في كل هذا لم نستوف الموضوع حقه, وربما نحتاج إلي تكملته في مقال آخر.
المصدر: جورنال أون لاين