ابراهيم عيسي |
إبراهيم عيسى يكتب في الدستور: المحكمة في الانتخابات
مهم أن تعرف أنك لن تعرف بدقة ما جرى فى جلسة محاكمة مبارك غدا، الجلسة
لن يتم تصويرها ولن تذاع مباشرة عبر محطات التليفزيون لكنها علنية ومفتوحة
للمحامين وللصحفيين الذين يقومون بمتابعة وتغطية وقائع المحكمة، لذلك أنت
لن تعرف عنها شيئا دقيقا، سيصل إلينا من الصحفيين ما يريد هؤلاء الصحفيون
أن يقولوه ويحكوه، أما المحامون فمن تجارب كثيرة فى المحاكم أستطيع أن أؤكد
لك أنك لن تحصل على حقيقة ما جرى من المحامين إلا بقدر ما سيحكى لك كل
واحد منهم ماذا قال وبم تكلم ورأيه إيه فى اللى حصل، وسيختلط عليك الأمر من
روايات الصحفيين والمحامين، فلن تفهم ماذا قيل بالضبط وهل هذا انطباع أم
واقعة، خبر أم رأى، رؤية عيان أم رؤية سياسية وقانونية!
كنت وأستاذنا الكبير عادل حمودة نتبادل الذكريات حول علاقتنا
بالمحاكمات، واتفقت روايتنا على أننا كنا نعود من قاعات محاكماتنا فنقرأ ما
كتبته عنها الجرائد فلا نعثر على حقيقة واحدة متكاملة ولا نرى ما عشناه
بتفاصيله فى ساعات المحاكم موجودا فى أى جريدة، بل كلاما مبتورا وروايات
متقطعة وتفاصيل مشوهة ووجهات نظر غير متكاملة حول معلومات غير دقيقة!
من الخبرة والرؤية أحذركم أنه باختفاء محاكمة مبارك على الشاشة ستظهر
ألف قصة مختلفة أو مختلَقة أو مبتورة سواء فى هذه الجلسة أو ما يتلوها، ومع
أجواء عدم التصديق السائدة فى بلدنا وبروح التوجس والارتياب الحاكمة
لعلاقة الناس بالسلطة وبعضهم ببعض فستكون المحكمة فرصة لكل الهلاوس
والهواجس أن تخرج من تحت أغطية البلاعات رغم أنها قضية منظورة أمام
المحكمة، فهى كذلك منظورة فى كل بيت مصرى، وكما تشهد فى قاعة المحكمة
سجالات المحامين مع النيابة مع مدعى الحق المدنى فهى كذلك تشهد تداخل
العواطف وتشابك المواقف فى كل بيت، والحقيقة أن مسافة هائلة تفصل محاكمة
مبارك فى بيوتنا عن محاكمته فى قاعة أكاديمية الشرطة، البعض لا يريد محاكمة
ولا وجع دماغ بصرف النظر عن حبه أو كرهه لمبارك، فلا مبرر للخوتة.
أما معظم بيوتنا فإنها ترى مبارك مذنبا ولا تحتاج إلى دليل لإثبات ذلك،
ولكنها قد تنقسم بين رغبتها فى أن تحكم عليه بالإعدام أو بأقصى عقوبة وبين
تخفيف أو تنزيل العقوبة، لكن فى كل الأحوال هى لا تنتظر لا دليلا ولا
يحزنون، فهى حكمت وخلاص.
لكن المحكمة تنظر فى الأدلة، وهنا الفجوة التى ستحدث والصدمة التى ستصيب
كثيرا من الناس بعد صدور حكم فى هذه المحاكمة، إذا قسنا على دعوى قطع
الاتصالات عن الشعب المصرى المقامة أمام القضاء الإدارى وكيف جاء تقرير
المفوضين يحمل براءة مبارك من هذه التهمة حيث لم يصدر قرار رسمى شفوى موثق
أو تحريرى مثبت بأن مبارك أمر بهذا القطع، إذن الدليل المفتقد ربما يكون
باب حكم لا يحبه الناس حين يسمعونه، وهذا ما يتكرر فى قضية قتل المتظاهرين،
فلا يوجد دليل، لا دليل ممسوكا مثبتا موثقا أن مبارك أصدر أمرا بالقتل، بل
ولا يوجد كذلك أدلة على قتلة المتظاهرين من ضباط الشرطة المتهمين، ربما
لأن الجهات التى من المفترض أن تسلم وثائقها لم تسملها ولم تعمل شغلها
وتواطأت، خصوصا أن مصر ساعة إعداد أوراق هذه القضايا لم يكن فيها لا شرطة
ولا داخلية ولا تعاون ضابط واحد مع وكيل نيابة واحد فى هذه القضايا، بل
العكس، لقد ماطلت الشرطة النيابة ولففتها حول نفسها، وحتى الآن فالداخلية
طرف غير متعاون بإخلاص أو بجدية مع أدلة هذه القضايا، ولم تسلّم ولن تسلّم
أى إثبات إدانة على أحد، هذا إذا كانت تملكه، فضلا عن أننا للأمانة لا نعرف
فعلا هل تملكه أم لا، فغالبا تم تدمير هذه الأدلة فى وقت مبكر!
بما أننا نتحدث عن القانون لا عن العدالة فهل معنى ذلك أننا سننتظر البراءة مثلا؟
لا أظن أن حكما بالبراءة سيصدر على حسنى مبارك، فهو متهم بعدة قضايا إن
خابت واحدة يمكن الاستناد إلى أخرى، لكن ما أعتقده أن القضية لن تكون صامدة
وقوية إذا ذهبت بحكمها إلى محكمة النقض. عموما ستطول جلسات هذه المحاكمة
ولا يمكن التعامل مع أى حكم باعتباره نهائيا قبل أن تنظر محكمة النقض هذه
القضية، لكن هل ستشغلنا محاكمة مبارك عن الانتخابات البرلمانية القادمة، بل
قد تلعب دورا فى الانتخابات القادمة؟
فلو استمرت منظورة أمام المحكمة خلال الانتخابات ستكون موضوعا للصراعات
والمزايدات الانتخابية والسياسية واستنزافا معطلا لطاقة وقدرات بعض القوى
التى تعتبر نفسها مشغولة بمحاكمة مبارك ورموز حكمه والمحاكمات العسكرية
أكثر من انشغالها بالاستحقاق الانتخابى الذى سيحدد شكل مصر ومستقبلها خلال
ثمانية أسابيع، وربما يعطيها هذا الانشغال راحة من المعركة الأهم والأكثر
ضراوة، وهى معركة السياسة والانتخابات.
ولو صدر فيها حكم خلال الانتخابات سيكون ورقة مع هذا الفريق أو ذاك حسب
طبيعة الحكم، وستشهد مصر نزالا وصراعا حول حكم مبارك، يعوقها عن العمل على
النجاح فى الحكم بعد مبارك!
رابط المقال: إبراهيم عيسى يكتب: المحكمة في الانتخابات
المصدر: جورنال أون لاين