صلاح عيسي |
صلاح عيسي يكتبفي المصري اليوم: هدف واحد لمليونية 9 سبتمبر
حتى الآن لم تستقر الصحف وغيرها من وسائل الإعلام على اسم مليونية الجمعة المقبل 9 سبتمبر، وهل تكون «مليونية تصحيح المسار» أم مليونية «الصمود والتصدى» أم مليونية «تراعينى قيراط أراعيك قيراطين»، بعد أن تعددت - وتناقضت - التصريحات التى تصدر عن قوى سياسية مختلفة حول الهدف من دعوتهم إليها أو شروطهم للمشاركة فيها، بين القائلين بأن المطلب الرئيسى لها هو إعادة تعديل قانونى مجلسى الشعب والشورى، بحيث تجرى الانتخابات البرلمانية - التى يفترض أنها أصبحت وشيكة - بنظام القائمة النسبية فى كل الدوائر، وليس بنظام المناصفة بين القائمة الحزبية والمقاعد الفردية، كما ذهب إلى ذلك التعديل الذى أدخل على القانونين منذ أسابيع، وصدر به بالفعل مرسوم بقانون من الجهة التى تحوز - طبقاً للإعلان الدستورى - السلطتين التشريعية والتنفيذية وتتولى سلطات رئيس الدولة، وهى المجلس العسكرى، وبين القائلين بأن المسار المطلوب تصحيحه هو وقف محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وإلغاء الأحكام التى أصدرتها هذه المحاكم على هؤلاء، وإحالة المحكوم عليهم بمقتضاها إلى محاكم مدنية تعيد محاكمتهم، وإصدار قانون الغدر، ومطالب أخرى من المؤكد أنها سوف تتضاعف خلال هذا الأسبوع لتشمل المطالبة بإجراء انتخابات «كل» رؤساء الأقسام وعمداء الكليات ومديرى الجامعات، وليس 60٪ منهم فقط، كما نص على ذلك التعديل الذى أدخل على قانون الجامعات أخيراً، والمطالبة بإعادة البث التليفزيونى لمحاكمات قادة النظام السابق حتى يحصل كل مواطن على حقه المشروع من التشفى فيهم، وبتحرير الجزيرة الوسطى فى ميدان التحرير من أيدى المحتلين من رجال الشرطة العسكرية وقوات الأمن المركزى، وبالمرة إلغاء معاهدة كامب ديفيد، التى ألغيت بالفعل منذ ثلاثين عاماً، والقائم الآن هو المعاهدة المصرية - الإسرائيلية، وبالمرة المطالبة بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، لتتحول المليونية - كالعادة فى معظم مليونيات ما بعد 11 فبراير 2011 - إلى سمك لبن تمر هندى.
وكما هى العادة أيضاً، فقد بدأت الدعوة لمليونية 9 سبتمبر لسبب منطقى، ويتطلب بالفعل مليونية، وهو الاعتراض على النظام الانتخابى الذى يقوم على المناصفة بين القوائم النسبية الحزبية والمقاعد الفردية فى الانتخابات البرلمانية، لأسباب أصبحت من المعلوم من الديمقراطية بالضرورة، فلا داعى لتكرارها، وصدرت الدعوة عن «التحالف الديمقراطى من أجل مصر» - الذى يضم ما يتراوح بين 28 و34 حزباً وائتلافاً يتصدرها حزبا «إخوان الحرية والعدالة المسلمين»، و«الوفد الجديد» - بحكم أن الأحزاب والائتلافات المنضمة إلى التحالف - وغير المنضمة إليه - كانت قد طالبت بالأخذ بنظام انتخابى يقوم على القائمة النسبية - الحزبية والمؤتلفة والمستقلة - فى كل الدوائر، لكن القانون صدر ليضرب برأى الجميع عرض الحائط، فكان منطقياً أن يحتشدوا فى مليونية تلفت نظرهم إلى أن هناك رأيا عاما واسعا وضاغطا، يؤيد هذا المطلب، ليضعوا هذا فى اعتبارهم، خاصة أن فتح باب الترشح لم يبق أمامه سوى أسبوعين، وأن مجلس الوزراء قد وافق بالفعل على مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية على قاعدة المناصفة، وأحاله للمجلس العسكرى لاعتماده، وكما أن بعد العيد ما ينفتلش كحك.. فبعد صدور قانون تقسيم الدوائر، لا يتعدل نظام انتخابى.
وبين الدعوة إلى عقد مليونية 9 سبتمبر بسبب بالغ الأهمية، ووثيق الصلة بمهام المرحلة الانتقالية، وهو اختيار النظام الانتخابى الذى يضمن تمثيلاً حقيقياً، ومشاركة فعلية لكل الأطياف السياسية للجماعة الوطنية المصرية فى صياغة النظام السياسى للمستقبل، وبين الموعد المحدد لها، جرت فى النهر أحداث قد تكون مهمة - كاختراق إسرائيل الحدود، وصدور قرار بإحالة ناشطين سياسيين للمحاكمة العسكرية ثم حفظه، وصدور قانون الجامعات، وموافقة مجلس الوزراء على تعديل قانون الغدر - لتشوش على الهدف الأصلى والمهم للمليونية فيختلط الحابل بالنابل، والعاجل بالآجل، وما هو من أهم مهام المرحلة الانتقالية، وأوجب واجبات السلطة القائمة عليها كالنظام الانتخابى، وما هو من مهام حكومة الثورة التى سوف تسفر عنها الانتخابات كإلقاء إسرائيل فى البحر وتعديل قانون الجامعات وتطبيق قانون الغدر، الذى حتى لو صدر فلن يتيسر تطبيقه على هذه الانتخابات، لأن ذلك يتطلب محاكمات ومرافعات وأقوال شهود.. ومستندات تقدمها النيابة ويفندها دفاع الفلول والأزلام.
ما يدعو للدهشة، أن «التحالف الديمقراطى من أجل مصر» نسى أنه صاحب الدعوة لهذه المليونية، وأن حجر الزاوية فى هذا التحالف، وهو «حزب إخوان الحرية والعدالة المسلمين» قد أعلن أنه لم يقرر بعد الاشتراك فيها، وأن كثيرين ممن تحمسوا للدعوة فى البداية، بدأوا يستعدون لخوض الانتخابات على أساس قاعدة المناصفة، واعتبروا أن الأمر تحصيل حاصل، وأن آخرين منهم يساهمون فى التشويش على هدفها الرئيسى بإضافة مطالب فرعية ليست عاجلة ولا هى من مهمة السلطة الانتقالية.
ويا أسيادنا الذين فى التحرير: المليونية ليست تجميعاً لمن حضر، والميدان ليس ساحة يحتشد فيها أفراد لكى يطالب كل منهم بمطلب شخصى، أو جماعات سياسية، لكى تعبر عما تختلف فيه مع غيرها، ولكنه ساحة للتعبير عن المشتركات الوطنية، ولقياس حجم الذين يـؤيدونها، ولذلك ينبغى أن يكون لكل مليونية مطلب واحد وواضح ومعلن يجرى الحشد على أساسه.. مطلب يتصل بالحاضر أو بالمستقبل القريب لا بمهام المرحلة الانتقالية واختصاصات السلطة القائمة عليها، وليس بالماضى أو بمهام الألفية الثالثة.. وهو ما يعنى أن تكون مليونية 9 سبتمبر مليونية لتعديل النظام الانتخابى وليس لأى هدف آخر.. حتى لا تتحول إلى مليونية «اللى ما يشترى يتفرج»!
رابط المقال: هدف واحد لمليونية 9 سبتمبر