البابا شنودة |
البابا شنودة يكتب في الأهرام: أنواع من القتل
وصية الله واضحة وصريحة وهي: لا تقتل.
وعلينا أن نفهم مدلول هذه الوصية وتفاصيلها. لاشك أنه ليس معناها فقط لا تقتل غيرك, وانما أيضا لا تقتل نفسك.
وإن كانت كل خطية يمكن أن تكون خطيئة بالعمل أو بالفكر أو بالقول, يمكن أن ينطبق هذا أيضا علي خطيئة القتل.
وإن كان القانون الجنائي يعاقب فقط علي القتل بالفعل أو الشروع الفعلي في القتل, ولكن حكم الضمير يمكن أن يعاقب علي القتل بالفكر, والقتل بالنية, برغبة القلب من الداخل, وهناك أيضا قتل جزئي وقتل كلي. هناك قتل للجسد, وقتل آخر للمعنويات, وقتل للسمعة.
هناك قتل مباشر, وآخر غير مباشر, بالاشتراك أو بالتحريض.. كما أن هناك قتلا للروح بالقائها في جهنم.
ـ وهنا يقف أمامنا سؤال وهو هل القتل في الحرب تدخل مسئوليته تحت وصية لا تقتل؟ ونجيب بأن الحرب اما أن تكون عدوانية هدفها الاعتداء علي دولة أخري أو احتلالها وهذه ولاشك حرب خاطئة تختلف تماما عن الحرب الدفاعية التي تجيزها الوصية.
كذلك هناك نقطة مهمة وهي نوعية الأسلحة التي تستخدم في الحرب, فهناك أنواع من الأسلحة لا تجيزها القوانين العالمية كالأسلحة الفتاكة أو المدمرة أو التي لا تتفق مع قواعد الإنسانية, كذلك يمتنع الاعتداء علي المدنيين والمستشفيات والمؤسسات الإنسانية, وعدم التعرض للأطفال والنساء ودور العبادة, من أجل ذلك كله فانه بعد الحرب العالمية الثانية, أقيمت محاكم دولية لمحاكمة مجرمي الحرب أولئك الذين اعتبروا مجرمين في حق البشرية. كذلك يدخل في نطاق وصية لا تقتل القتل بالتعقيم وأحيانا في بعض العصور كان يستخدم الاخصاء وهو نوع آخر من القتل الجزئي.
ـ ومن أنواع القتل أيضا: الاجهاض. الاجهاض هو عملية قتل لجنين, أي لمخلوق حي كاملا لم يولد بعد, وان تم الاجهاض بطريقة طبية, فان الطبيب يتحمل جزءا من المسئولية, علي أن الهدف من اسقاط الجنين قد يحدد نوعية المسئولية. ربما يكون الاجهاض خطيئة لستر خطيئة أخري إذا كان الحمل سفاحا, وقد يكون سبب الاجهاض هو عدم رغبة الأم أو الأب في النسل, وهذا لا يعفيهما من جريمة القتل. أو قد يكون سبب الاجهاض هو الخوف علي صحة الأم إذا كانت الولادة تهدد حياتها بالموت, فيموت الجنين الذي لم يولد بعد بدلا من الأم الكائنة حية.
ـ وتدخل في وصية لا تقتل: البغضة الشديدة التي تتمني قتل إنسان. فبما ان القتل لم يتم بالفعل, إلا أنه تم داخل القلب وداخل النية. كذلك ليس القتل مقصورا فقط علي الجسد بل هناك قتل معنوي منه عمليات التشهير واضاعة سمعة الغير وقيمته الأدبية ومركزه الاجتماعي بين الناس, وكل هذا نسميه بالقتل الأدبي. نقطة أخري هي قتل الشخصية: فيمكن لأب قاس ان يلغي بأوامره الشاملة شخصية ابنه فينشأ معدوم الشخصية لا يستطيع أن يتصرف وحده في شيء. وهذا التصرف قد يفعله زوج مستبد مع امرأته, أو رئيس عمل مع مرءوسيه يحدث هذا عن طريق سوء المعاملة أو تثبيط الهمة باستمرار, أو اشعار الإنسان في كل مجال بأنه عاجز وفاشل ولا يصلح لشيء!!
** هناك أيضا نوع من القتل الجزئي. ويدخل في هذا النطاق الاعتداء الجسدي والضرب والايذاء والتعذيب والتشويه. ومن الجائز أن إنسانا يعتدي علي آخر فيحدث به عاهة مستديمة كأن يفقده بصره, أو يشوه وجهه وعمليا ان من يعكر دم إنسان باهانة أو اذلال فانه يحدث فيه قتلا جزئيا عن طريق عمليات هدم خلايا وكرات دموية داخل جسده.
ـ يوجد قتل غير مباشر, مثل قتل الأعصاب, بالاغاظة الشديدة والاثارة حتي لا تقوي أعصابه علي الاحتمال, فيثور أو يغلي في داخل نفسه. وربما يمرض من الحزن والألم والغيظ. فتظن القتل يا أخي معناه أن تطعن أحدا بسكين أو تضربه بالرصاص؟! كلا ما أسهل أن تحطم نفسه بتصرف فيه احتقار أو امتهان.
ـ هناك نوع سلبي من القتل, وهو الامتناع عن الاغاثة, فإذا تعرض شخص للموت, وكان بامكانك ان تنقذه ولم تنقذه, فأنت إذن مشترك في موته.. نقول هذا أيضا عن اخوتنا في الصومال, إذا لم تعمل الدول الغنية علي إنقاذهم مما هم فيه. ونقوله أيضا عن منع الغذاء لمن يحتاجون إليه لحياتهم أو منع الدواء والعلاج عن الذين هم في مسيس الحاجة إليه.
ـ هناك أيضا قتل بالمسئولية: فقد لا يقوم شخص بنفسه بقتل الآخرين, لكنه يطالب بدمهم ان كان مسئولا عن قتلهم أو عن الذين قتلوهم.
ـ يدخل في نطاق وصية لا تقتل: الانتحار, فالانتحار هو جريمة قتل للنفس, والإنسان لا يملك نفسه حتي يتصرف فيها كما يشاء, والانتحار يشمل خطية أخري هي اليأس وقطع الرجاء, وأيضا عدم الاحتمال, وأيضا عدم الإيمان بالمصير في الحياة الأخري.
والانتحار قد يلجأ إليه مجرم قاتل قبض عليه, ويخشي الطريقة التي سوف يقتلونه بها أو يخشي التعذيب قبل الموت.
ويدخل في موضوع الانتحار ما يمكن ان نسميه بالانتحار التدريجي أو الجزئي فيما يستخدمه البعض من التدخين والمسكرات والمخدرات فكلها تؤدي إلي موتهم ولو بالتدريج.
ـ هناك أيضا قتل الروح, بدفعها إلي الشهوات الخاطئة التي تفصلها عن الله وتقودها إلي جهنم سواء من يتسبب في ذلك عن طريق نشر البدع أو الالحاد, أو من يعمل علي استهواء واغراء الجسد بخطية النجاسة القاتلة.
رابط المقال: أنواع من القتل